* أصل عيد الحب:
ذكرت الموسوعة الكاثوليكية، أنَّ القسيس فالنتاين، كان يعيش في أواخر القرن الثالث الميلادي، تحت حكم الإمبراطور الروماني كلاوديس الثاني.
وقد قام الإمبراطور بسجن القسيس، لأنه خالف بعض أوامره، وفي السجن تعرّف على ابنةٍ لأحد حراس السجن، ووقع في غرامها وعشقها، حتى إنها تنصَّرتْ، ومعها ستة وأربعون من أقاربها، كلهم تنصّروا، وكانت تزوره ومعها وردة حمراء لإهدائها له.
فلما رأى منه الإمبراطور ما رأى، أمر بإعدامه، فعلم بذلك القسيس، فأراد أن يكون آخر عهده بعشيقته، حيث أرسل إليها بطاقة، مكتوباً عليها: «من المخلص فالنتاين» ثم أُعدِم في الرابع عشر من فبراير سنة 270م.
وذكرت الموسوعة أيضاً: أنه في إحدى القرى الأوروبية، يجتمع شباب القرية في منتصف فبراير من كل عام، ويكتبون أسماء بنات القرية في أوراق، ويجعلونها في صندوق، ثم يسحب كل شاب من هذا الصندوق ورقة، والتي يخرج اسمها على ورقته، تكون عشيقته طوال السنة، ويُرسل لها على الفور بطاقة مكتوباً عليها: بإسم الآلهة الأم، أرسل لك هذ البطاقة، ثم تجدّد الطريقة بنهاية منتصف فبراير في العام المقبل، وهكذا.
وبعد مدة من الزمن، قام القساوسة بتغيير العبارة إلى بإسم القسيس فالنتاين.. والظاهر من حادثة شباب القرية، أنهم فعلوا ذلك، تخليداً لذكرى القسيس فالنتاين، وعشيقته، وحباً للفاحشة والخنا، وكذلك يفعلون.
* واقعنا وعيد الحب:
سرت تلك الحادثة إلى أرجاء واسعة، وتناقلها جيلٌ بعد جيل حتى تمكنتْ من مجتمعات المسلمين والمسلمات، فمنهم من إحتفل بها عامداً للإفساد..، ومنهم من احتفل بها تقليداً، حتى طار بها الناس كل مطار، وإنتشرت بطاقات تهنئة بهذه المناسبة، فيها صورة لطفل بجناحين فوق مجسم لقلب، وُجِّه إليها سهمٌ، وهذا رمز آلهة الحب عند الرومانيين ووُضع في الصفحة الرئيسية لأحد مواقع عيد الحب، على الشبكة الإلكترونية، مجسم لقلب يخترقه صليب.
وللأسف، فإننا نرى بعضاً من المسلمين والمسلمات في بعض أنحاء العالم، يحتفلون بعيد الحب، في الرابع عشر من فبراير كل عام.
ومن مظاهر هذا الإحتفال، أن نرى أزياءاً حمراء، من لباس أو أحذية أو حقائب أو زهور أو هدايا، فضلاً عن تبادل البطاقات الخاصة بالإحتفال، مكتوب عليها عبارات فيها إعتزاز بالعيد، وتهنئة بالحب، ورغبة في العشق، وما من شأنه أن يبرز معاني الحب والبهجة والسرور، والمشاركة الوجدانية في الإحتفال، وبعضهم يبعث بهدية من لباس أو أكل أو شرب أو نُصُب تذكاري، ليشاركهم فرحة العيد، ولهذا يحلو لبعض الناس أن يُسميه بـ عيد العُشاق.
* ومن المظاهر السافرة للاحتفال بعيد الحب ما يلي:
1 ـ الإستعداد المبكر للمحلات التجارية، كالفنادق والمطاعم والمتاجر، بالترحيب بعيد الحب، بشعار اللون الأحمر، كالمداخل والأبواب والإنارة والورود والمفارش والأطباق.
2 ـ استخدام اللون الأحمر في مراسم الإحتفال، رمزاً للحب وإحياء لذكرى الوردة الحمراء التي أهدتها عشيقة القديس فالنتاين له، من شال ومناديل وأكسية وحقائب وجوارب وأحذية.
3 ـ إنتشار البالونات والألعاب والدمى الحمراء، مكتوب عليها *Love You*.
4 ـ قيام بعض أصحاب المنازل بتعليق الورود الحمراء على مواضع في واجهة المنزل كالأبواب والنوافذ والأسوار.
5 ـ إتفاق بعض الطالبات مع بعض صديقاتها بربط شريطة حمراء اللون في معصم اليد اليسرى، وإرسال بطاقات مكتوب عليها -كن فالنتينياً.
6 ـ نقش القلوب على اليدين وكتابة الحرف الأول من الاسم للعشيقين.
7 ـ إقامة الحفلات الراقصة، والسهرات المختلطة، فرحاً بتلك المناسبة، وتشير بعض الإحصائيات إلى أن عيد الحب يحتل المرتبة الثانية في الإحتفالات بعد عيد الكريسمس.
* الآثار والأضرار المترتبة على المشاركة في عيد الحب:
تتجلى الآثار والأضرار الناشئة عن المشاركة في هذه المناسبة بأمور، منها:
1= أنَّ الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، بل إنها من أخصّ ما تتميز به. قال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67].
فمن وافق الكفار في جميع عيدهم، فإنَّ ذلك ينتهي به إلى الكفر بشروطه، ومن وافقهم في بعض فروع العيد، فقد وافقهم في بعض شُعَب الكفر.
2= أن ما يفعله الكفار في أعيادهم وإحتفالاتهم، منه ما هو كفر، ومنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح، والتمييز بين هذا وهذا، قد يخفى على الكثير، وهذا مؤداه أن يتساهل عامة المسلمين بأمور كفرية صريحة، أو ما دونها من الموبقات.
3= أن مشاركة الكفار في أعيادهم وإحتفالاتهم والتشبه بهم في ذلك، يُؤدي بالمسلمين المُتشبهين بهم والمشاركين لهم إلى إكتساب أخلاقهم المذمومة، حتى يشاركوهم في إعتقاداتهم وإنحرافاتهم، إذْ إنَّ المشاركة في الظاهر تقتضي المشاركة في الباطن ولو بعد حين.
4= أنَّ مشاركة الكفار ومشابهتهم في مناسباتهم، تُورث نوعاً من مودتهم ومحبتهم وموالاتهم، وقد تقرّر أن محبة الكفار وموالاتهم تنافي الإيمان، كما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام.
5= أنَّ الإحتفاء بأعياد الكفار، تُوجب سرور الكفار بما هم عليه من الباطل، وذلك إذا رأوا المسلمين تابعين لهم في طريقتهم، وهذا ظاهر في قوة قلوبهم وإنشراح صدورهم، وطمعهم في المسلمين ونهب خيراتهم وإستذلالهم، وقد فعلوا.
6= أنَّ مشاركة الكفار فرحتهم، ولو بشيء قليل مثل تقديم الهدية أو الحلوى أو نحوها، يقود لفعل الكثير في المستقبل وفي شتى مناحي الحياة مع الكفار حتى يصير عادة لهم، ويتتابع عليه الناس، حتى يرتفع الكفر وأهله، وتُعظَّم مناسباتهم بغير نكير، فالأمر جدّ خطير.
7= تعطيل أعياد المسلمين، فالنفس تأخذ حظها من اللعب واللهو في تلك الأعياد المحرَّمة، فإذا ما جاء العيد الحقيقي للمسلمين، فترت النفوس عن الرغبة في عيد الله، وزال ما كان عنده له من المحبة والتعظيم.
8= أنَّ رسالة الكفار في إفساد المسلمين، ولَبْس الحق بالباطل، والدعوة إلى الكفر والضلال والإباحية والإلحاح وتغريب المسلمين عن دينهم، تجد لها مرتعاً واسعاً، وباباً مفتوحاً من خلال تلك الإحتفالات الكُفْرية، فيحتالون على المسلمين ويدخلونها تحت مسميات رياضية أو ثقافية أو إجتماعية أو سياسية، ويتقبلها الناس بدون نكير.
9= أنَّ أصل عيد الحب عقيدة وثنية عن الرومان، يُعبَّر عنها بالحب الإلهي للوثن الذي عبدوه من دون الله تعالى، وعليه فمن يحتفل به فهو يحتفل بمناسبة تُعَظَّم فيها الأوثان التي تُعبَد من دون الله تعالى، وهذا أصل ضلال الطوائف الكافرة.
10= أنَّ من مقاصد عيد الحب، إشاعة المحبة بين الناس كلهم، مؤمنهم وكافرهم، وهذا يخالف دين الإسلام، بل يصادم أصلاً من أصول أهل السنة والجماعة، وهو الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين.
* حكم الاحتفال بعيد الحب:
الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن الإحتفال بغير الأعياد الإسلامية: الفطر والأضحى، بدعة محدثة في الدين، مثل: عيد رأس السنة الميلادية، وعيد الكريسمس، وعيد اليوبيل، وعيد الإستقلال، ونحوها.
وهكذا الإحتفالات، كالإحتفال بذكرى المولد النبوي، والإسراء والمعراج، والعام الهجري الجديد، كلها إحتفالات وأعياد محرّمة.
والإحتفال بعيد القديس فالنتاين، أو ما يسميه بعض المسلمين عيد الحب، إحتفال بِدْعي محرم قطعاً، وعادة سيئة، وبدعة منكرة ما أنزل الله بها من سلطان، لأنَّ الإحتفال به من البدع والإحداث في دين الله عز وجل، بل هو ضلال.
وفي حديث العرباض بن سارية أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة». وخرجه الآجري، وزاد: «وكل ضلالة في النار» وهو صحيح.
والأعياد توقيفية من جملة العبادات، لا يجوز إحداث شيء منها إلا بدليل، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ» أخرجه البخاري وغيره.
وإن إعتقد من يحتفل به أنه عادة، فهو قد إعتبر ما ليس بعيد عيداً، وهذا من التقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حيث أثبت عيداً في الإسلام، لم يجعله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عيداً.
ولا شك أنَّ الإحتفال به، تشبّه بأعداء الله، فإنَّ هذه العادة ليست من عادات المسلمين أصلاً، بل هي عادة من عادات النصارى.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبّه بقومٍ فهو منهم» أخرجه أبو داوود وغيره وهو صحيح.
قال ابن كثير: فيه دلالة على النهي الشديد، والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم، وأعيادهم، وعباداتهم، وغير ذلك من أمورهم التي لم تُشرع لنا، ولم نُقرَّر عليها ا هـ.
وفيه دلالةٌ صريحة على وجوب الحذر من مشابهة أعداء الله في أعيادهم وغيرها.. والإحتفال بعيد الحب إذكاء لروح الحُبِّ المحرم والعشق والغرام المشين، وتعاون على نشر الرذيلة والفساد، وإحياء لذكرى شخصية كافرة نصرانية.
والله جل وعلا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]..
ويقول تبارك وتعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].. والمعنى: يحبون أن تفشو الفاحشة وتنتشر.د
والإحتفال بعيد الحب، كالإحتفال بغيره من أعياد الكفار، يربأ المسلم بنفسه أن يشهدها، والله جل وعلا وصف عباده المؤمنين بأنهم لا يشهدون أعياد الكفار.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].. والزور في قول غير واحد من التابعين وغيرهم: أعياد المشركين ذكره القرطبي، والبغوي، وابن كثير، وابن تيمية، وغيرهم.
وأما الإجماع على تحريم حضور أعياد الكفار أو تهنئتهم بها، فقد نقله غير واحد.. قال ابن تيمية عن أعياد الكفار: فإذا كان المسلمون قد إتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أوَليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها، مظهراً لها؟.
وقال ابن القيم: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به، فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلِم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام، ونحوه... ا هـ.
* وبناء على ما تقدم:
فإنَّ عيد الحب من جنس ما ذكر من الأعياد المبتدعة، بل هو بذاته عيد وثني نصراني، فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله أو أن يُقِرَّه أو أن يُهنّئ به.. بل الواجب تركه وإجتنابه، إستجابة لله ولرسوله وبعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته..
قال ابن القيم عن التهنئة بأعياد الكفار: وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فَعَل، فمن هنَّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.
كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة، بأي شيء من أكل أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك، لأنَّ ذلك كله من الإثم والمجاوزة لحدود الله تعالى، والتعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول.
قال ابن تيمية عن أعياد الكفار: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختصّ بأعيادهم، لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك.
ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة، وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام ا هـ17.
* كلمة أخيرة:
واجب الجميع التعاون على وأد هذه الظاهرة في مهدها، فالآباء والأمهات يضطلعون بمسؤولية عظيمة في تحذير أولادهم من المشاركة في هذا الإحتفال، ومنعهم من شراء بعض الألبسة أو الأحذية أو الورود ذات اللون الأحمر، إذا أراد لبسها والتزين بها، إبتهاجاً بالمناسبة، أو مسايرة للأصدقاء أو مجاملة لهم، أو مغايرة لهم.
وكذلك الأولاد، متى رأوا من والديهم شيئاً من ذلك، أشعروهم بحرمة هذا الإحتفال، وطلبوا منهم عدم المشاركة أو الإعانة.
وهكذا أصحاب المراكز التجارية، يضطلعون بمسؤولية كبيرة، فواجبهم عدم إصدار بطاقات خاصة أو شعارات تلاءم المناسبة، أو إستيراد وبيع ما هو من خصوصيات ذلك الإحتفال من حذاء أو قبعة أو نُصُب تذكاري أو ورود أو حلوى أو هدايا، ونحو ذلك.
والمعلمون والمعلمات، ليس لهم أن يسكتوا عن التحذير عن هذا الاحتفال متى إستطاعوا ذلك، فعليهم بيان أصله وسببه، وأنه عقيدة وثنية نصرانية، وأنه وسيلة لنشر الفاحشة بين الشباب والفتيات، وتشجيع للإباحية، ويُراد منه نشر الضلال بالعقائد الفاسدة، وتمكُّن الفساد في صفوف المسلمين.
وهكذا الخطباء والكتاب والمسئولون في أجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، يتعين عليهم بيان حرمة مثل هذه الأعياد والإحتفالات وأنها إحداث في دين الله عز وجل، وتشبه بأعداء الله تبارك وتعالى لا يجوز حضورها ولا تشجيع أهلها ولا تهنئتهم بها، ونحو ذلك مما فيه إعانة على هذا المنكر أو إقرار عليه.
وهكذا العلماء وطلاب العلم في كل عَصْرٍ ومِصْر ٍ، يجب عليهم بيان شرع الله تبارك وتعالى في مثل هذه الأعياد درأً للفتنة، وإنكاراً للمنكر.
الكاتب: جماز الجماز.
المصدر: موقع ياله من دين.